وضعت معضلتا انقطاع الكهربا وعدم قدرة المزارعين على دفع تكاليف الوقود المرتفعة، النشاط والثروة الزراعية السورية أمام تحد كبير لا يمكن تخطيه إلا بالاستعانة بالطاقة الشمسية لتوليد التيار لرفد المزارع بالمياه واعاده الحياة لاشجارها وبذورها.
الديماس (سوريا) – لجأ مزارعون بالمناطق الخاضعة لحكومة نظام الرئيس السوري بشار الأسد إلى استخدام الألواح الشمسية للتغلب على معضلتي نقص الكهرباء والارتفاع الجنوني لأسعار الوقود في إنتاج المحاصيل.
ومع انقطاع الكهرباء المتواصل وغلاء أسعار الوقود وشحّه تعطلت الحياة، وخاصة المزارعين الذين يعتمدون في أعمالهم على الري من الآبار الجوفية التي تحتاج إلى الكهرباء أو المحركات التي تعتمد الديزل.
وفقد الآلاف من المزارعين الرغبة في العمل وسط الخسائر المستمرة ولم يعد بإمكانهم أن ينقذوا مزارعهم لولا اعتمادهم على الطاقة المتجددة التي تعتمد على الشمس رغم تكاليفها الباهظة بالنسبة إليهم في ظل انهيار الليرة وقلة الدعم الحكومي.
وبينما تزيد عوامل التغير المناخي خطر الجفاف والحرائق في كل أنحاء العالم، واجهت سوريا تدنيا في مستوى الأمطار في السنوات الأخيرة، خاصة في محافظة الحسكة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية.
وشهدت البلاد، شحيحة الموارد، أثناء سنوات الحرب التي اندلعت في عام 2011 ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة صيفا كما هو الحل في باقي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما أدى إلى اختلال واضح في الدورات الزراعية وتغير في مواقيتها السنوية.
وقضية توفير المياه جراء الجفاف هي جزء من مشكلات أخرى بينها ندرة الأسمدة التي باتت من أبرز التحديات التي تقف أمام تنمية القطاع بفعل تداعيات حرب دمرت المصانع التي كانت في السابق تغطي السوق المحلية من هذه المادة وتعمل على تصدير الفائض.
ولتجاوز الصعوبات التي تسببت بها العقوبات الأميركية بدأ مزارعو بلدة الديماس وقريتي ميسلون ومزرعة دير العشائر في ريف دمشق بالتوجه نحو تركيب الألواح على آبار المياه لتأمين السقاية لأشجارهم المنتشرة على مساحة تقدر بأكثر من 18 ألف دونم.
وبحسب رئيس الجمعية الفلاحية في بلدة الديماس أحمد حسين فإن الظروف القائمة حفزت قرابة 15 مزارعا في تلك المناطق لتركيب منظومات طاقة شمسية في أراضيهم ما ساعدهم على توفير كميات المياه اللازمة للري.
وقال حسين في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية إن “الأشجار تأثرت بالصقيع الذي أصابها في مارس الماضي وقلة الأمطار وكانت بحاجة للري لكن هناك نقصا وصعوبة بتأمين المازوت والكهرباء”. وأضاف “كل ذلك دفع عددا من المزارعين للتوجه نحو تركيب الألواح الشمسية للحصول على الطاقة وتأمين تشغيل آبار المياه”.
وبرزت الطاقة المستدامة في سوريا كأحد الحلول الممكنة لدمشق لدعم شبكة الكهرباء المتضررة والمحافظة على تأمين الإمدادات في المناطق الخاضعة لسيطرتها وسط تذمر سكان البلد الذي يعاني من ويلات حرب اندلعت قبل أكثر منذ عشر سنوات.
وظهرت الحاجة للطاقة النظيفة بشكل ملح خلال السنوات الخمس الأخيرة بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية حيث شرعت الحكومة في تقدم تسهيلات للمستثمرين الذين يستوردون الألواح الشمسية وتركيبها في مناطق معينة قريبة من محطات الكهرباء.
وتتزايد الضغوط على الحكومة لمنح قروض ميسرة وبفوائد مخفضة ليتمكن جميع مزارعي المنطقة من تركيب ألواح الطاقة التي باتت ضرورة ملحة وأكثر أمانا بالنسبة إلى الزراعة.
ويقول مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا إن إنتاج الطاقة الشمسية حقق قفزة منذ أن تراجعت حدّة المواجهات المسلحة وبات الوضع في معظم البلد أكثر استقرارا.
وأشار إلى أنه أصبح بديلا صالحا مع أشعة الشمس الوفيرة على مدار ساعات طويلة من اليوم، فيما جزء كبير من شبكة الكهرباء في المدن والأرياف لا يزال مدمرا.
وتشير التقديرات الدولية إلى أن ما لا يقل عن 90 في المئة من السوريين لا يحصلون على تغذية بالتيار الكهربائي بشكل مستقر بعد عشر سنوات من نزاع مدمر استنزف الاقتصاد وبناه التحتية.
ويعتبر المزارعون ممن ركبوا ألواح الطاقة أن الطاقة البديلة من أهم المشاريع التي يجب دعمها في ظل الظروف الراهنة لإنهاء معاناتهم في توفير المياه اللازمة لأشجارهم. وأوضحوا أنهم لجأوا إلى الطاقة الشمسية لأنها الأوفر على المدى الطويل رغم تكلفتها كما أنها ستضمن حماية محاصيلهم.
ووصف المزارع محي الدين المصري تعلقه بأرضه قائلا إنه “بادر إلى تنفيذ مشروع الطاقة البديلة لتأمين ري الأشجار الممتدة على مساحة 50 دونما”، لافتا إلى أنه ركب نحو 40 لوحا لذلك.
وتحتاج هذه الأشجار إلى المياه لمدة 8 ساعات يوميا بالتنقيط وفي ظل الظروف الحالية وصعوبة تأمين المازوت باتت الطاقة الشمسية الملاذ الوحيد له.

وأثناء متابعته أرضه وتنظيفها من الحجارة بيّن المزارع وديع الرقشة من الديماس أنه يمتلك 5 دونمات مزروعة بالتفاح والدراق والتوت الشامي والمشمش والكرز وأن حبه الكبير للزراعة جعله يتجه إلى الطاقة البديلة لتحسين الوضع في ظل الظروف الحالية.
وعمد هذا المزارع إلى تركيب 12 لوحا بطاقة ضخ تبلغ إنشا وربع الإنش حيث يبدأ الضخ من التاسعة صباحا حتى الرابعة عصرا. ومن مزرعة دير العشائر ذكر محمد هلال أن لديه عشرة دونمات بينها 3.5 دونمات مزروعة بالتفاح و2.5 بالإجاص و3 بالمشمش والباقي مزروع بالدراق والكرز والجوز والعنب والخوخ والجارنك.
ويتراوح عمر الأشجار لديه بين الثلاث والعشرين سنة وتحتاج إلى ريات تكميلية قبل جنيها لضمان الحصول على مردود جيد لهذا لجأ إلى تركيب 18 لوحا توفر له ساعات سقاية كافية للأشجار، داعيا الجميع إلى تركيب الطاقة لأنها الأوفر على المدى الطويل.

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا